عدنان سلمان من حي رفيش الاهوازي الى لندن عاصمة القرار السياسي- الحلقة  السادسة

دخول الدورة العسكرية  بعد الاستقرار في العراق- بعد وصولي الى بغداد، ذهبت مباشرة الى مكتب  الجبهة  و في صباح اليوم التالي ، جاءت سيارة مدنية و حملتني انا و سيد علي وناصر، وبعد ساعتين او اقل  وصلنا الى معسكر يقع في شمال  بغداد في منطقة مكشوفة خالية من الاشجار يحيط به جدار عالي

عرفت فيما بعد ان هذا المعسكر يسمى بمعسكر التاجي ،وهو من احد معسكرات الجيش العراقي ، وقد علمت من ضباط  عراقي برتبة نقيب يدعى فوزي ان  الدورة سوف  تستمر لمدة شهريين متتاليين، وهي دورة  مكثفة سوف نتعلم اثناءها كيفية استخدام الاسلحة مثل  البنادق و المسداسات و الرمي  به ( آر .بي . جي ) و استخدام  القنابل سواء الدفاعية منها او  الهجومية وغيرها من التدريبات  العسكرية .
 بدأت الدورة بعد يوم من وصولنا الى معسكر التاجي ، وفي اليوم التالي خلعنا ملابسنا المدنية وارتدينا الملابس العسكرية ،بما فيها القبعات والاحذية ،اما  اوقات التدريب فهي تبدأ من الصبا ح الباكر ، بالرياضة السويدية والتمرينات البدنية والركض ، وكنا اثناء  التدريبات البدينة  نردد شعارات  وطنية تستمر هذه التمارين ما يقارب الساعة  . 
بعد الانتهاء من تماري الاحماء  تبدأ تمارين اكثر عنفا ،  منها التعلم  على حركات الدفاع عن النفس امام السلاح الابيض، وتعلم بعض حركات الجدو والكارتيه، وكانت هذه التمرينات تتم على ارض صلبة. و بعد الانتهاء من هذه التمارين  نقوم بالاستحمام  ثم نذهب لتناول الافطار الصباحي .
كان الافطار في المعسكر جيدا، يقدمون لنا اثناءه احسن الاطعمة ، و المقبلات ، وكان في معسكر التاجي بالإضافة لنا نحن  ابناء عربستان ،هناك  افراد من بلوشستان ، تابعين لما كان يعرف انذاك بالجبهة الشعبية لتحرير بلوشستان  الغربية، وكما هو معروف  انهم على المذهب السني، وشاهدت معهم رجل الدين  قد بنى له محراب من الحجر  يؤم جماعته الصلاة في اوقاتها . وقد انتهت دورتهم و لكنهم بقوا  في المعسكر . كما ان دورتنا  التي بدأت لتوها تضم ما بين 30 الى 40 فدائي  قسم من عناصرها سبق وان تعرفت عليهم والأخر لم اعرفهم .
 بعد انتهاء الافطار تبدأ الدورة بالتدريب النظري على السلاح ، وأتذكر انهم في البداية عرفونا على انواع السلاح ،مثل الكلاشينكوف الروسي والجيكي وبنادق السيمينوف وانواع المسدسات كالبرونيك 14 ومسدس اصغر منه يحمل 9 طلقات والقنابل بأنواعها و القاذفات وحتى المدافع الصغيرة، وأنواع المتفجرات الجامدة و العجينة وكذلك انواع الصواعق، فكنا نفكك البندقية ونتعرف على اقسامها ، ثم نعود لتركيبها، وهكذا  القنابل وكيفية استخدامها ، على سبيل المثال تعرفت ان الصواعق نوعان بطيء وسريع صاعق ومن بين التمارين الذي كنا نقوم بها هي كيفية تسلق المرتفعات، جبال كانت ام عمارات ، والنزول عبر استخدام الحبال .
 وكلما تقدم وقت الدورة تقدم معها قوة التمارين ، فبدأنا نركض مسافات اطول ، ونعبر من المستنقعات الاسنة، وتعلمنا كيفية تجاوز الاسلاك  الشائكة الزحف على الايادي والركب، وكان يشرف على تدريبنا  ضابطين عراقيين اتذكر اسمين منهما احدهم فوزي و الاخر اسمه ليث، بالإضافة الى امين سر الجبهة الاخ سعيد جاسم ،الذي كان انذاك يحمل رتبة ملازم اول ،وكان يتردد على المعسكر ويساهم في التدريب ورفع المعنويات ,، لقد كان التدريب قاسي جدا ،وكان مقرون بالعقوبة الفردية احيانا و بالعقوبة الجماعية احيانا اخرى .
في احدى المرات تلقينا عقوبة قاسية  ليس في محلها كانت عذاب وليس عقاب فاعتبرناه اهانة  لنا ،وعندما حل  وقت  تناول طعام الغداء لم نحضر ، فأدرك القائمون على التدريب ان هناك اضراب عن الطعام ، فاعتبروا ذلك مخال  لقوانين المعسكر والتدريب ،وعندما حل موعد العشاء  ذهب الجميع  الى  اقاعة الاكل اما انا فلم اذهب ، وبقيت حتى صباح اليوم التالي ، وعندما جاء الاخ سعيد الى المعسكر وعلم  بالأمر ،لامني و قال نريد ان  نعد منكم رجال  العمل العسكري يتطلب التحمل والصبر هم يقسون عليكم عمدا . عندها قلت له الحق معك و عدلت عن اضرابي .
ومع اقتراب الدورة من نهايتها و بعد ان تعلمنا على الرمي ومباديء القتال ،تقرر ان تجري  لنا مناورات بالذخيرة الحية ،فانقسمت مجموعتنا الى قسمين ، مجموعة مدافعة واخرى مهاجمة، وفي هذه المناورات استخدمنا كافة انواع  الاسلحة التي تدربنا على استخدامها بما فيها  قاذفات ( آر بي  جي ) المضادة للدروع، وأنواع القنابل اليدوية والمسداسات، وفي ذلك اليوم اجدت الرماية في ار بي جي . وبانتهاء هذه المناورة انتهت الدورة، سبق وان قيل  لنا انها كانت  اقوى دورة، وقد كنت من بين المتفوقين و قد تم منحي جائزة تقديرية وهي عبارة عن خنجر مفضض، وقد سلمت هذا الخنجر لدى ابناء عمومتي الذين كانوا  يقيمون في منطقة الحيانية في محافظة البصرة . 
كان المستوى التعليمي لإفراد الدورة بين امي وخريج بكلوريا ،والبعض من الفدائيين كانوا من سكان الاهوار ،ولأول مرة في حياتهم يخرجون من محيطهم الى محيط اخر وكان صعب عليهم حتى حفظ اقسام البندقية، مع العلم انهم يجيدون الرماية بها بشكل جيد  شباب مخلصين وطيبين للغاية .
عندما ما كنت في الدورة حصل  حادث مؤلم  صعب بالنسبة  لي و للجبهة ،  فعندما كنت في رخصة  نهاية الاسبوع  في بغداد ، دعانا  امين سر الجبهة  الاخ سعيد الذي كان يسمى انذاك ابوعرب  ابو احمد حاليا ، الى طعام  العشاء وكان من بين الحضور بالإضافة الى سعيد  انا والأخ جابر احمد وسيد علي و ناصر عجرش، وبعد رجوعنا من المطعم الى مكتب الجبهة جاءنا اتصال  هاتفي من مكتب العمارة  ان  مجموعة من الاخوة  من مقاتلي الجبهة  كانوا في رحلة استطلاعية  الى الداخل ، وتحديدا الى قرية الخرابة ، و اثناء اقترابهم من القرية  اطلق عليهم  احد المرتزقة ممن يسمون ” نيروهاي بايداري ”  أي المليشيات التي شكلتها و سلحتها الحكومة وتتكون من عملاء و مأجورين عرب قد اطلق من بندقية صيد وعن قرب  النار  فقتل جبار عبد الله وجرح اخر ولم تتمكن المجموعة من نقل جثة الشهيد لشدة كثافة  اطلاق النار فيما بعد ، كما جرح  شخص اخر بذراعه وهو علي العامر خال جبار عبد الله ، اما الشخص الثالث الذي كان ضمن المجموعة لم يصب بأذى ويدعى عبد قاسم مصيخي الساعدي  .
وفي اليوم التالي اقمنا مأتم الفاتحة في مكتب الجبهة حداد على استشهاده ،وبما انني قضيت اكثر من شهرين مع جبارعبد الله واعلم  بإخلاصه وتفانيه و شجاعته ، فقد حزنت عليه كثيرا
ومن المفارقات الاخرى التي حدثت اثناء الدورة ، هو ما حدث  للإخوة البلوش المقيمين في المعسكر ،فقد حدث بينهم ونتيجة شجار داخلي ،تطور الى اطلاق نار ،حيث قام احدهم بإطلاق النار على زميله  فأصابه و اصاب عدد اخر من زملائه وهرب ،ولكن سرعان ما القي القبض عليه  في اطراف المعسكر .
وعلمت ان للجبهة الشعبية لتحرير الاحواز ( وهو التنظيم الذي تم حله ولم يعد له أي وجود) علاقات مميزة مع الجبهة الشعبية لتحرير بلوشستان الغربية ،الذي كان لها مكتب في بغداد ،وكان امين عامها يسمى الشيخ موسى اميري وهو خال ناصر بلودئي امين عام حزب الشعب البلوشي حاليا وله مساعد يسمى محمد حسن .
 بعد انتهاء الدورة عدنا الى مقر اقامتنا في بغداد ،وكان من بين المقيمين في هذا المركز انا وكل من المرحوم خلف يعقوب الصخراوي وجابر احمد وناصر عجرش وسيد علي ، ولكن بعد فترة تلقينا اوامر بالذهاب الى مكتب العمارة  انا و ناصر عجرش ، وفي اليوم التالي ذهبنا الى كراج الباصات في علاوي الحلة على ما اعتقد في بغداد ومن ثم تحركنا في احد الباصات  نحو مدينة العمارة . 
بعد وصولنا الى مكتب العمارة استقبلنا بحفاوة من قبل  الاخ رئيس المكتب  المرحوم جليل حمود احمود ، بعد ذلك كاشفنا ان هناك مجموعة  من الاخوة تريد النزول الى الداخل  ونريد استشارتكم ومساعداتكم ، وربما تكونون  احد افرادها , اما مهمة هذه المجموعة  فهي مهمة استطلاعية  وستقوم خلالها  بالاتصال بالمواطنين وتوزيع بعض المنشورات  والصور ، و تسمى هذه المجموعة  بمجموعة الجبال ، وهي بعد اجتيازاها مجموعة تلال بازان و سلسلة جبال مشداخ  تتجه شمالا  عكس مجرى نهر الكرخة .
بعد يومين جاء خلف يعقوب قادما من بغداد ، تبين لنا فيما بعد ان خلف  يعقوب هو الذي سوف يقود المجموعة ،وإثناءها تعرفت ولأول مرة على المرحوم شبل حمود الشرهاني وقد اصيب بيده جراء مواجهات عسكرية مع شرطة النظام ، ( شبل اعدم على يد النظام  الجديد بعد سقوط نظام الشاه بتهم واهية ) وهو مناضل قيادي في الجبهة الشعبية لتحرير  الاحواز . 
بعد وصول خلف يعقوب بيومين ، طلب الاخ رئيس المكتب جليل حمود عقد اجتماع لوضع خطة النزول وما تطلبه من سلاح وعتاد وتموين واختيار اسماء الاشخاص، ونقطة عبور الحدود ووسيلة النقل الخ .
وخلال اسبوع  تم تدارك كل هذه الامور وكانت مهمتي ان احمل  السلاح  في السيارة وان اكون  برفقة  السائق مع حلف يعقوب ومجموعته ، وكانت  المجموعة مسلحة بالسلاح الخفيف ،  بنادق  كلاشينكوف و قنابل  يدوية بالإضافة  العتاد والتموين.
انطلق رجال المجموعة في اليوم المحدد بعد الظهر وكان من المفترض ان تصل بالقرب من الحدود العراقية  مع حلول  الظلام ، وعلى ما تذكر كان سيرنا في وديان صحراوية باتجاه  الشمال نحو الفكة و موسيان أي باتجاه  عيلام  او ايلام  كما تسمى اليوم .
انتهت الحلقة  السادسة و تليها الحلقة السابعة 

شاهد أيضاً

البيان الختامي للمؤتمر العالم الخامس لحزب التضامن الديمقراطي الاهوازي (عربستان)

بمشاركة واسعة من قيادة الحزب المكونة من اللجنة المركزية والمكتب السياسي وكذلك الكوادر، وأعضاء وأنصار …