مذكرات المناضل عدنان سلمان _ الالتحاق بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

في تلك الفترة أي بعد عقد اتفاقية الجزائر ،أغلقت مكاتب الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز – عربستان – وخرج على أثرها بعضا من قادتها وكوادرها من العراق ، لذلك انقطعت علاقتي مع الإخوة أبناء عربستان نهائيا ،وأصبحت واحدا من عناصر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – مكتب العمليات الخارجية – الذي كان يقوده آنذاك وديع حداد ،وإثناء وجودي في المكتب الذي هو بمثابة سكن أيضا تعرفت على أسماء بعض الإخوة الفلسطينيين منهم مدير المكتب ويدعى أبو إبراهيم ، وكان هذا الشخص مسؤول عن شراء الحاجات اليومية للمكتب ، وكان كل يوم أثناء التسوق يأتي ومعه الصحف اليومية العراقية والعربية ، وكنت دائما أقراء هذه الجرائد ، وفي احد الأيام تصفحت الجرائد ووجدت عناوينها الرئيسية تتحدث عن وقوع عملية عسكرية في باريس وقتل فيها رجل بوليس فرنسي وجرح آخر ، وهناك شخص اسمه كارلوس متهم بهذه القضية .
ومن باب الصدف ، عندما استيقظت في نفس اليوم وجدت شخص نائما إلى جوار سريري ،فاعتقدت انه احد أعضاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، ولكن عندما استفسرت من أبو إبراهيم من هو كارلوس ، قال لي أن كارلوس هذا النائم إلى جوارك و اسمه الحركي سالم ، فناديه من الآن وصاعدا باسم سالم ولا تناديه باسمه الحقيقي كارلوس ،وعندما جلس من النوم ذهب إلى الحمام فاستحم ،ثم عاد وجلس معنا و كان يتكلم العربية إلا أن لغته العربية ركيكة و لكنها مفهومة .
ومع استمرار وجودي في مكتب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قسم العمليات الخارجية الذي يشرف عليه ويديره وديع حداد ، ازدادت معرفتي بكارلوس ،وعلمت انه من مواطني فينز فيلا وانه يحمل أفكارا اشتراكية أميمية وقد أرسل للدراسة في موسكو ،وكان يدرس في جامعة باتريس لومبا بالاتحاد السوفيتي السابق ، وبعد فترة على ما يبدو لم يعجبه تصرفات الحزب الشيوعي آنذاك لكونه متأثر إلى حد بعيد بحركات الكفاح المسلح التي نشئت في أمريكا اللاتينية في حقبة الستينات ،وعندما ترك الجامعة حاول الالتحاق بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين متأثرا بأفكار أمين عامها الدكتور جورج حبش ،فانضم إلى صفوفها ، وبعد فرز مكتب العمليات الخارجية عن الجبهة الشعبية وأصبح وديع حداد يعمل مستقلا عن الجبهة التحق كارلوس بمكتب العمليات الخارجية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة وديع حداد .
كما علمت فيما بعد أيضا ،انه قد قاتل إلى جانب صفوف الجبهة الشعبية إبان إحداث الأردن في عان 1970 – 1971 .
و بعد مرور من 3 إلى 4 شهور على تواجدي في مكتب الجبهة، تقرر أن نخرج من بغداد ونسافر إلى بيروت ، إما المسافرون فهم وديع حداد وعائلته أولاده وكارلو وأنا ، وكان السفر ترانزيت من مطار بغداد إلى مطار الكويت ومن ثم بيروت وكانت فترة التوقف في مطار الكويت 5 ساعات تقريبا ،وعند وصولنا إلى مطار الكويت ،سمح لوديع حداد وعائلته بالخروج من المطار فترة الترانزيت ،إما انا وكارلوس فيقينا في المطار ،ولكن لضرورات أمنية لم يكلم احدنا الآخر .
وبالفعل تمت رحلتنا بسلام ووصلنا بيروت ،وكانت حينها الحرب الأهلية بين الكتائب اللبنانية ومن يناصرها من القوى المسيحية من جهة و بين القوى الوطنية ومن يناصرها من القوى أخرى في بدايات أوجها .
بعد وصولنا إلى بيروت أمضينا ليلتنا في احد بيوت الجبهة ، إلا إننا انتقلنا في اليوم التالي للإقامة في احد الفنادق في بيروت وعلى ما أتذكر كان في منطقة تسمى السان جورج بالقرب من شارع الحمراء أو الروشة. وقد استمرت إقامتنا في الفندق ما يقارب الأسبوع ، ونتيجة للتردد المستمر على مكاتب الجبهة ، وتواجدي المستمر مع كوادرها وقيادتها زادت معرفتي أكثر بدوافع هذه الحرب ، وعرفت على إنها في الأساس تدور حول تواجد التنظيمات الفلسطينية في لبنان ،وخاصة وان الثورة الفلسطينية بعد أن فقدت قواعدها في الأردن ،كانت لبنان ولأسباب جيو سياسية أفضل مكان لتواجد الفلسطينيين ،الأمر الذي اثار حفيظة القوى المسيحية اليمينية في لبنان .
بعد أسبوع اخبرني وديع حداد شخصيا وقبل ساعات من سفرنا ، بأننا سوف نسافر إلى عدن عاصمة اليمن الديمقراطية آنذاك ،إما لماذا وما هي المهمة فهذا ليس من اختصاصي ،وإنما علي الامتثال للأوامر الصادرة لي ،وبعد ساعات انطلقنا إلى مطار بيروت ومن ثم إلى عدن مباشرة ،وعلى ما اعتقد إننا وصلنا إلى عدن بدايات سبتمبر عام 1975 .
وبعد وصولنا إلى عدن استقرينا في بيت عائد للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – مكتب العمليات الخارجية – وبعد عشرة أيام من إقامتي هناك جاءت أوامر بالسفر إلى مقاديشو عاصمة الصومال ،وعلمت أن المسافرين بالإضافة إلى وديع حداد وابنه هاني أبنته سوسن وزوجته ،وبالفعل انطلقنا من مطار عدن نحو مطار مقاديشو .
وعندما وصلنا إلى المطار استقبلنا من قبل بعض الأشخاص ونقلونا بالسيارات إلى بيت كبير في احد إحياء مقاديشو، وقد علمت فيما بعد أن البيت يعود لوزير الدفاع الصومالي إبان حكم محمد زياد بري ،حيث كانت الصومال آنذاك ذات توجهات اشتراكية ولها علاقات قوية وإستراتيجية مع الاتحاد السوفيتي، وكانت تدعم حركات التحرر الوطني ، كما كانت لها علاقات مميزة مع فصائل الثورة الفلسطينية ،وعلاقات حميمة جدا مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .
وقد زارانا في البيت رجل سياسي صومالي مهم يرتدي ملابس مدنية عرفت إثناءها انه وزير الدفاع الصومالي فسلم على جميع الضيوف بما فيهما انأ ،وبعد أن تناول الرجل قهوته ،اجتمع منفردا مع وديع حداد واستمر الاجتماع بين الجانبين أكثر من ساعتين ،بعدها خرج وذهب ،كما علمت أيضا أن زياد بري رئيس جمهورية الصومال التقى بشكل سري مع الدكتور وديع حداد بعيدا عن وسائل الإعلام .
وفي مقاديشو تعرفت على رجل فلسطيني على ما يبدو كان مسؤول مكتب العمليات الخارجية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الصومال. وكان بلقب بأبي زكي ،وكان في أواخر العقد الثالث من عمره يعني بحدود 38 عاما، ترافقه بنت ألمانية شابة تسمى مها وهو اسم مستعار ،ومع مرور الأيام علمت ،أن لمكتب العمليات الخارجية علاقات قوية مع الحركات اليسارية وخاصة الراديكالية منها في كافة بلدان العالم بدءا من منطقة الشرق الأوسط مرورا بأوروبا إلى أمريكا اللاتينية و اليابان والقارة الأفريقية .
أثناء إقامتنا في الصومال رتبت لنا الحكومة الصومالية رحلة سياحية إلى احد المنتجعات الحكومية الذي يقع على ساحل البحر الأحمر يقع في جنوب الصومال ،ورغم أن الفصل كان فصل الشتاء ، إلا انه وبحكم قرب هذه المنطقة من خط الاستواء ، لذلك كان الجو معتدل يساعد على السباحة ، فسبحنا في مياه البحر الأحمر الدافئة ، وإثناء رحلة الذهاب و الإياب شاهدنا غابات و صحاري و بعض مرتفعات الصومال ،كما شاهدنا معظم الحيوانات البرية المفترسة منها و العادية ، ورغم ان الرحلة كانت سرية ، ولكن كانت ترافق سيارات الضيوف حماية مسلحة تضم سيارتين ، فيها جنود مسلحين ،وبعد انتهاء رحلة الاستجمام عدنا الى مقاديشو مرة ثانية .
انتهت الحلقة التاسعة و سوف تليها الحلقة العاشرة

شاهد أيضاً

رفيقنا المناضل مهدي ابو هيام الأحوازي

تلقينا في حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي التغييرات الإيجابية في المكتب السياسي لحزبكم الموقر و الذي …