انقلاب يقوده صقور المحافظين في إيران: ولاية الفقيه تلتهم الديمقراطية – منصور الأهوازي

تصاعد الصراع في إيران بين فريقي السلطة الإصلاحي والمحافظ على نحو غير مسبوق، وذلك تزامنا مع الذكرى الخامسة والعشرين لقيام الثورة الإيرانية التي جاءت بنظام ولاية الفقيه، مما دفع بالبلاد إلى أزمة سياسية بالغة الحدة والتعقيد والتي أحدثت بدورها زلزالا سياسيا هز بشدة أركان النظام وهدم الكثير من الأطر والمقاييس التي كانت عرفا مقبولا ضمن اللعبة السياسية في إيران وبذلك تطور الصراع بين شركاء الحكم في طهران إلى مستوى يمكن وصفه بالمعركة الفاصلة، وهي المعركة التي رجحت نتائجها حتى الآن كفة المحافظين، حيث فشل خصومهم الإصلاحيون في تحقيق أي من أهدافهم المرحلية، وفي مقدمتها إجبار مجلس صيانة الدستور الخاضع لنفوذ غرمائهم المحافظين على التراجع عن قراره الأخير القاضي بمنع معظم المرشحين المحسوبين على الحركة الإصلاحية من خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة المزمع إجراؤها يوم عشرين شباط (فبراير) الجاري، وهو القرار الذي صعد الموقف بين الفريقين إلى مستوى الأزمة.

ونتيجة لذلك فقد أصبح الطريق ممهدا أمام محاولات المحافظين إقصاء غرمائهم الإصلاحيين من دائرة الحكم، والاستئثار بالنفوذ والسلطة في البلاد، خاصة وأنهم حصلوا على دعم قوي وصريح من قبل الولي الفقيه آية الله علي خامنئي الذي يعد الرجل الأول في النظام.

ويجمع معظم قادة الفريق الإصلاحي ومنظريه على > أن المبادرة الأخيرة لمجلس صيانة الدستور المتمثلة في رفض طلبات ترشيح الإصلاحيين، تتجاوز قوانين البلاد وقواعد اللعبة السياسية في النظام إلى مستوى الانقلاب على الحركة الإصلاحية التي تعد ركنا أساسيا من أركان النظام والثورة، ورمزا بارزا من رموز جمهورية النظام وديمقراطيته.

وقد جاء هذا الانقلاب وفق خطة موضوعة مسبقا أخذت تنفذ بمختلف الطرق والوسائل من قبل التيار المحافظ الذي يهيمن على معظم مراكز صنع القرار في إيران فور تسلم الفريق الإصلاحي بقيادة خاتمي زمام السلطة التنفيذية عام 1997، بدءا باحتواء تحركات فريق الرئيس خاتمي والأجهزة التابعة له، وإغلاق معظم الصحف الإصلاحية، واعتقال عدد من أبرز الصحفيين الإصلاحيين كعماد الدين باقي وأكبر كنجي، وتنفيذ عمليات اغتيال طالت عددا من المثقفين والسياسيين في طهران عام 1998، وانتهاء بالتصعيد الأخير لمجلس صيانة الدستور والمتمثل في إقصاء رموز الحركة الإصلاحية من المعركة الانتخابية المقبلة، مرورا بمحاكمة وإدانة حجة الإسلام عبدالله نوري وزير داخلية خاتمي السابق ومن الرموز البارزة للحركة الإصلاحية، وعملية اغتيال المنظر الأول للإصلاحيين الدكتور سعيد حجاريان، وقمع التنظيمات الطلابية الموالية للإصلاحيين، وإصدار حكم بالإعدام على الدكتور آغاجري من مفكري وقادة منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية الإصلاحية بتهمة الكفر وزيغ العقيدة<.

ويرى الإصلاحيون بصفة عامة أن ما يحصل حاليا هو محاولة لتطوير آليات هذا >الانقلاب الزاحف< إلى مستوى الضربات الإجهاضية وصولا إلى حسم الصراع على السلطة لصالح المحافظين من خلال فرض السيطرة التامة على السلطة التشريعية ومن ثم السلطة التنفيذية.

كارثة
ويحذر الفريق الإصلاحي من أن نجاح المحافظين في مسعاهم هذا من شأنه أن يدفع بالبلاد إلى >كارثة دينية ووطنية< وذلك لأسباب واعتبارات عدة يمكن إيجازها في ما يلي:

أولا: أن نجاح مثل هذا السيناريو سيظهر المشروع الإيراني المسمى بـ >الديمقراطية الإسلامية< على أنه مشروع فاشل لا يمكن تطبيقه في العالم الإسلامي، مما يعني أن الثورة الإسلامية الإيرانية أخفقت في هدفها الأول وهو إقامة نظام سياسي نموذجي يجمع تعاليم الدين بمبادئ الحرية والديمقراطية.

ثانيا: سيؤدي عمليا إلى انهيار أحد أهم مرتكزات شرعية النظام السياسية والشعبية، وهو جمهورية النظام التي كان مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني يشدد على عدم جواز فصلها عن إسلامية النظام.

ثالثا: سيقضي على كافة إنجازات حكومة الرئيس خاتمي على الصعيد الدولي، خاصة في ما يتعلق بمحاولاتها إقناع الغرب، وبالأخص الدول الأوروبية بتعزيز العلاقات والتعاون مع الجمهورية الإسلامية على أساس أنها نظام ديمقراطي يحترم التعددية السياسية، والإرادة الشعبية ويستطيع تكييف نفسه مع المستجدات الداخلية والدولية.

رابعا: سيظهر نظام ولاية الفقيه على أنه غير قابل للإصلاح والتغيير والتطوير، وغير قادر على توفير الحقوق الأساسية للشعب، واستيعاب مطالبه العادلة، الأمر الذي من شأنه تعميق حالة اليأس والإحباط التي تخيم على البلاد على الصعيدين الشعبي والنخبوي، ويوسع الفجوة التي باتت تفصل النظام عن الجماهير الإيرانية، وخاصة الشعوب غير الفارسية وفئات الشباب منهم، إلى درجة سيخسر النظام ما تبقى له من قاعدة شعبية وشرعية ديمقراطية، وهذا من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه أمام كافة الاحتمالات والسيناريوهات ومنها التدخل الأجنبي في البلاد.

خامسا: سيخلق فراغا سياسيا وفكريا كبيرا في البلاد، والذي من شأنه أن يضعف مناعة النظام سياسيا وأمنيا، ويفتح المجال واسعا لتصعيد الأنشطة والتحركات المناوئة للنظام في الداخل والخارج.

قانوني
أما خصوم الإصلاحيين من التيار المحافظ فيرون في موقف مجلس صيانة الدستور إجراء قانونيا لا يهدف إلا إلى تعزيز مناعة النظام وديمومة الثورة، وفي المقابل يحملون التيار الراديكالي من الإصلاحيين مسؤولية تصعيد الموقف وتأزم الأوضاع السياسية في البلاد، من خلال إصرارهم على اختراق الخطوط الحمراء للنظام، ورهانهم على العامل الخارجي المتمثل في >الشيطان الأكبر< الذي أصبح يطوق >الملاك الأطهر< عسكريا وسياسيا من كل صوب: العراق غربا وأفغانستان شرقا، وأذربيجان وتركيا شمالا، والخليج جنوبا.

وإلى ذلك ذهبت بعض الأجهزة الأمنية والعسكرية الخاضعة لتيار المحافظين كالأركان العامة للقوات المسلحة، والحرس الثوري إلى حد إطلاق تهديدات علنية ضد رموز الإصلاحيين بالملاحقة القانونية بتهمة التآمر على النظام والثورة، والعمالة لأميركا.

ومهما يكن الأمر وبصرف النظر عن نظرية المؤامرة، أو إلقاء التهم جزافا أو تبصرا من قبل هذا التيار أو ذاك، فإن التصعيد الأخير في الصراع الدائر على السلطة جاء نتيجة طبيعية لتراكمات من التناقضات والنزاعات الفكرية والسياسية الحادة بين فريقي السلطة والتي لم تجد لها علاجا أو تسوية مرضية من خلال قوانين النظام أو مؤسساته الدستورية، والسبب الرئيسي في كل ذلك، يمكن اختزاله في عامل واحد ألا وهو مبدأ ولاية الفقيه ومحاولة النظام بشقيه الإصلاحي والمحافظ الجمع بين هذا المبدأ وبين نقيضه الديمقراطية.

ولاية الفقيه
فنظرية ولاية الفقيه التي يستمد النظام الإيراني شرعيته الدينية والسياسية منها، تهدف في واقع الأمر إلى تكريس وتقديس الحق الإلهي الذي يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أسس مطلقة، كقوله أن الولي الفقيه يستمد سيادته من الله، وبالتالي لا يجوز محاسبته من قبل من هم دون الله كالشعب أو مؤسساته التشريعية أو الدستورية، خاصة وأن الشعب يعد > طفلا قاصرا<، حسب وصف من نقل نظرية ولاية الفقيه من حيز الدعوة إلى مرحلة الدولة، أي آية الله الخميني الذي كان يؤكد بصراحة ووضوح > إن ولاية الفقيه أشبه بتعيين مرشد لرعاية طفل قاصر<.

غير أن الديمقراطية تعرف على أنها تنظم العلاقات بين الحاكم والمحكوم انطلاقا من الاعتقاد بأن الشعب هو صاحب السيادة ومصدر الشرعية، وبالتالي فإن النظام السياسي الحاكم مسؤول أمام الشعب ورهن إرادته.

ولتجاوز هذه المعضلة فائقة الصعوبة والتعقيد لم يجد التيار الإصلاحي في إطار محاولته تنفيذ مشاريعه الإصلاحية بالغة الطموح سبيلا سوى السعي إلى تمييع مبدأ ولاية الفقيه من خلال إيجاد مصالحة بينه وبين نقيضيه الديمقراطية والانفتاح، ساعيا إلى استخدام قاعدته الشعبية ودوره الأساسي في المؤسسة الحاكمة كصمام أمان لنظام ولاية الفقيه داخليا ودوليا.

إلا أنه واجه مقاومة شرسة من قبل خصومه المحافظين الذين يتوجسون خيفة من الديمقراطية والانفتاح على أنهما يشترطان الخروج عن الذات أو تقديم تنازلات سياسية وأيديولوجية وحتى اقتصادية مؤلمة.

ومن هنا سعى هؤلاء المحافظون من خلال سيطرتهم على معظم مراكز صنع القرار في البلاد إلى تذويب الديمقراطية والانفتاح في بوتقة ولاية الفقيه، بحيث يتبخر المضمون ويبقى الشكل الذي هم بأمس الحاجة إليه للاستهلاك الداخلي والدولي.

ولاية مطلقة
ومن جهة أخرى فإن الإصلاحيين ظلوا يصطدمون دائما بحاجز الدستور الذي يقر مبدأ ولاية الفقيه المطلقة الذي يمنح الولي الفقيه صلاحيات تفوق قوانين البلاد وحتى الدستور نفسها، وهي الصلاحيات التي استخدمت بقوة من قبل خصوم الإصلاحيين كعامل حاسم في المعركة، خاصة وأن هذا العامل مدعوم من قبل أجهزة ومؤسسات عسكرية وأمنية وإعلامية واقتصادية بالغة القوة والنفوذ كقوات الحرس الثوري وقوات الأمن المسلحة، وقوات البسيج وجهاز الاستخبارات التابع لولي الفقيه، والسلطة القضائية، وأضخم المؤسسات المالية في البلاد كمؤسسة المستضعفين وجرحى الحرب أو مؤسسة الآسانة الرضوية المقدسة والتي لا تخضع أي منها لأي إشراف من قبل الحكومة الإصلاحية.

وفي هذا السياق تعرض عدد من البرلمانيين الإصلاحيين في العام الماضي إلى تهديدات خطيرة وصلت إلى مستوى التهديد العلني بالقتل من قبل جهازي الاستخبارات التابعين لقوات الحرس الثوري، والسلطة القضائية، لأنهم كانوا قد بعثوا برسالة مفتوحة إلى الولي الفقيه دعوه فيها إلى الانصياع لإرادة الشعب وإعادة النظر في موقفه المؤيد للتيارات المحافظة المتشددة.

ونتيجة لكل ذلك فقد صار التيار الإصلاحي يجد نفسه مضطرا للتراجع عن شعاراته ومشاريعه الطموحة تحت وطأة ضغوط غرمائه المحافظين وضرباتهم المتكررة، وهو التراجع الذي كان دائما يأتي على حساب رصيده الشعبي ومكانته الدولية.

تفكيك
وبعد أن تمكن المحافظون من تفكيك عناصر قوة الفريق الإصلاحي السياسية والجماهيرية، وإظهار عجزه الفعلي عن المواجهة، قاموا بتصعيد الصراع إلى مستوى الضربات الإجهاضية. فجاءت المبادرة الأخيرة لمجلس صيانة الدستور، والتي جرى عمليا من خلالها إقصاء الإصلاحيين من المعركة الانتخابية المقبلة تمهيدا لطردهم من دائرة السلطة، على غرار ما حصل لتيارات وشخصيات سياسية عديدة أخرى ساهمت بدور فاعل في انتصار الثورة أو إقامة النظام الذي انبثق عنها، بدءا بالتيارات اليسارية والحركات السياسية التابعة للشعوب غير الفارسية التي لعبت دورا أساسيا في تفجير الثورة، وإسقاط نظام الشاه السابق، وانتهاء بآية الله منتظري خليفة الخميني السابق ومن أبرز رموز الثورة الإسلامية، ومرورا بالمهندس مهدي بازركان أول رئيس وزراء الجمهورية الإسلامية، وأبو الحسن بني صدر أول رئيس جمهورية لنظام ولي الفقيه وصادق قطب زاده الذي كان يعد من أقرب المقربين لزعيم الثورة آية الله الخميني، والآخرين.

وبذلك تبرهن الثورة الإيرانية على أنها لا تزال متشبثة بعمليات التصفية والتهام الأبناء كوسيلة لحسم الصراعات والنزاعات الداخلية، على الرغم من مرور نحو ربع قرن عن قيامها.

وعلى كل فإن السؤل الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا انحصرت مقاومة التيار الإصلاحي أمام >محاولة الانقلاب< ضدهم في الاحتجاج اللفظي والاعتصام داخل مجلس الشورى وتقديم بعض البرلمانيين استقالاتهم، ولماذا لم يستخدم سيطرته على السلطة التنفيذية للتصدي لهجمات خصومهم الساحقة، ولماذا لم يلجأ إلى الشارع ليستخدم ما تبقى له من رصيد جماهيري لإجبار غرمائه على التراجع.

بدعة
تقول السيدة زهراء إشراقي حفيدة مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني، وعقيلة شقيق الرئيس خاتمي، محمد رضا خاتمي الأمين العام لحزب المشاركة الإسلامية الإصلاحي، والتي كانت ضمن قائمة المرشحين الذين رفضت طلباتهم من قبل مجلس صيانة الدستور: >إن صلاحيات مجلس صيانة الدستور كانت في عهد جدي الراحل تنحصر في إطار الإشراف على حسن إجراء الانتخابات فقط، وأن ما يقوم به هذا المجلس حاليا يتجاوز للأسف صلاحياته الدستورية ويعد بدعة<.

وتحمل السيدة إشراقي مسؤولية ما آلت إليه الأمور في البلاد على عاتق قادة الحركة الإصلاحية الذين أضاعوا جميع الفرص المتاحة لحسم الصراع على السلطة لصالحها، وذلك من خلال ترددهم وتلكؤهم في الرد على هجمات الخصوم. وأضافت بقولها: > إن الرئيس خاتمي يتمتع برصيد شعبي هائل يتمثل في 22 مليون صوت من الناخبين الذين اختاروه رئيسا للجمهورية، إلا أنه لم يستخدم هذا الرصيد حتى الآن. إن الرئيس خاتمي لا يزال بإمكانه استخدام رصيده الشعبي وصلاحياته الدستورية، وعليه أن يفعل هذا قبل فوات الأوان أي قبل انتهاء فترة رئاسته، ولكن شريطة ألا يؤدي ذلك إلى حدوث فوضى أو اضطرابات في البلاد<.

ومن جانبه حذر محمد رضا خاتمي الذي رفض مجلس صيانة الدستور تزكيته هو الآخر، من > أن حكومة الرئيس خاتمي إذا ما وافقت على إجراء انتخابات برلمانية وفقا لإرادة خصومها الإصلاحيين فإنها ستفقد صفتها الإصلاحية، ولم تعد تمثل الحركة الإصلاحية في إيران<.

ولكن مع ذلك وافقت حكومة الرئيس خاتمي على إجراء الانتخابات وفي موعدها المحدد، على الرغم من أن معظم المسؤولين فيها من وزراء وحكام أقاليم أعلنوا عن معارضتهم لها (كونها فقدت منذ الآن نزاهتها وحريتها، وأصبحت عمليا مسيرة من قبل خصومهم المحافظين، الذين يعمدون إلى بسط نفوذهم على السلطة التشريعية مهما كان الثمن).

عاملان
ومهما يكن الأمر فإن جميع المعطيات والمؤشرات تدل على أن السبب الحقيقي وراء خضوع الرئيس خاتمي وفريقه الإصلاحي لإرادة ولي الفقيه والتيارات المحافظة المتحالفة معه، والذي يتجنب معظم المسؤولين والمحسوبين على النظام التحدث حوله علانية، يكمن في عاملين: أولهما العامل الخارجي وهواجس الإصلاحيين من استراتيجية أميركا السياسية والعسكرية في المنطقة، والتي يرون أنها لا تزال تضم الجمهورية الإسلامية ضمن دائرة استهدافها.

وبالإضافة إلى ذلك فإنه في حين يتعرض التيار الإصلاحي لاتهامات مكررة من قبل خصومه بتلقي الدعم والإسناد من واشنطن، كانت الدوائر الأميركية تجري اتصالات سرية وعلنية مع رموز المحافظين، باعتبار أنهم أصحاب القرار الحقيقيون في إيران.

كما أن إدارة الرئيس بوش لم تتجاوب مع مبادرات حكومة خاتمي التصالحية، على الرغم من الدعم الذي قدمته إيران لأميركا في حربها ضد نظامي طالبان وصدام حسين. تجدر الإشارة إلى أن نائب الرئيس الإيراني حجة الإسلام أبطحي أعلن على رؤوس الاشهاد أنه >لو لا طهران لما سقطت كابول وبغداد<.

أما العامل الثاني فيتمثل في توجس التيار الإصلاحي من المد القومي المتصاعد لدى الشعوب غير الفارسية في إيران، والتي تشكل أكثر من ستين بالمائة من سكان البلاد، والتي تقع حركاتها السياسية والاجتماعية خارج دائرة نفوذ أي من فريقي السلطة، على الرغم من محاولات الإصلاحيين احتواء هذا المد القومي وتسيره لصالحه من خلال منح بعض الامتيازات لهذه الشعوب على الصعيدين السياسي والثقافي.

الجدير ذكره أن هذه الشعوب تعاظم بأسها بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة إلى درجة باتت معها قادرة على تغيير توازن القوى في إيران تغييرا عميقا، وذلك لأسباب عدة أهمها اليقظة القومية التي صارت تنتشر بسرعة فائقة بين أبناء هذه الشعوب، وتبدل الظروف الدولية والإقليمية المعاكسة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، وتصاعد الصراع على السلطة في طهران، وإخفاق النظام في تحقيق معظم شعاراته ومشاريعه الطموحة، وتشبثه بموقفه الرافض للمطالب العادلة لهذه الشعوب، وبروز أزمات سياسية اقتصادية حادة في البلاد.

قلعة بابك
وإلى ذلك تمكنت الحركة الآذرية التركية خلال العام الماضي وللمرة الثانية على التوالي من حشد نحو مليون من مناصريها في (قلعة بابك) في محافظة أذربيجان الإيرانية. وللتأكيد على إصرارهم على مطالبهم القومية أقدم المشاركون خلال هذه المراسم على خطوة غير مسبوقة تمثلت في رفع عدد كبير من أعلام إقليمهم (أذربيجان الجنوبية) أي الشطر الإيراني من أذربيجان.

ومن جانبهم تمكن العرب في مدينة الأهواز خلال انتخابات البلدية الأخيرة من الاستحواذ على جميع المقاعد التسعة المخصصة للمدينة. علما بأن هذه الانتخابات خلافا لانتخابات الرئاسية أو البرلمانية لا تخضع لإشراف مجلس صيانة الدستور.

وفي مبادرة غير مسبوقة وجه البرلمان الدنماركي مؤخرا دعوة لممثلي الشعوب غير الفارسية في الخارج لحضور مؤتمر حول القضايا المتعلقة بحقوقهم الإنسانية والقومية. وقد حضر هذا المؤتمر الذي انعقد يوم 24 كانون الثاني (يناير) الماضي في قصر البرلمان الدنماركي في كوبنهاغن عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي إلى جانب بعض البرلمانيين الدنماركيين ووفود الشعوب غير الفارسية في إيران، ومنها وفد من عرب الأهواز والذي ترأسه المهندس كريم بني سعيد من قياديي حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي والذي حث البرلمانات الأوروبية على > ممارسة الضغوط على حكوماتها لحملها على التحرك لدعم الحقوق العادلة للشعوب غير الفارسية، وعدم الاكتفاء بالضغوط التي تمارسها حاليا ضد طهران بشأن ملفها النووي <.

ونتيجة لكل هذه التطورات، ومع تراجع الرصيد الشعبي للإصلاحيين في البلاد بصفة عامة فإن التيار المذكور بات يشعر بأنه ليس وراءه شعب متجانس متلاحم مستعد للوقوف إلى جانبه في حال قرر تصعيد الموقف ضد خصومه المحافظين واللجوء إلى الشارع، ولذلك فقد اختار الانصياع لإرادة خصومه وعدم الدخول في مغامرة استخدام الشارع في الصراع على السلطة، خوفا من إمكانية خروج زمام الأمور من يده، ووقوع البلاد في أزمة سياسية خطيرة قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.

ومما لا شك فيه أن التطورات الأخيرة فتحت فصلا جديدا في تاريخ الجمهورية الإسلامية، والذي قد يصبح انسلاخ التيار الإصلاحي من جسد النظام وانضمامه إلى القوى المعارضة أحد أهم قسماته.

وختاما ثمة سؤال يفرض نفسه هنا أيضاً وهو: هل سيكون بإمكان النظام الإيراني احتواء دائرة المعارضة له بعد أن تكون قد اتسعت لتشمل التيار الإصلاحي الذي لديه من الإمكانيات ما يجعله قادرا على أن يعلب دورا أساسيا على الساحة الداخلية، حتى لو كان خارج دائرة السلطة؟ وبصفة عامة هل ما جرى مؤخرا سيخرج الثورة الإيرانية ونظام ولاية الفقيه من دائرة الأزمة، أم سيدخلها في حلقة مفرغة؟

لندن ـ منصور الأهوازي

شاهد أيضاً

رفيقنا المناضل مهدي ابو هيام الأحوازي

تلقينا في حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي التغييرات الإيجابية في المكتب السياسي لحزبكم الموقر و الذي …